التحفيز العميق للدماغ (DBS)

خلال العقود الأخيرة، أحدثت تقنية التحفيز العميق للدماغ (DBS) تحولًا كبيرًا في عالم طب الأعصاب، إذ منحت الأمل لآلاف المرضى الذين يعانون من اضطرابات الحركة مثل مرض باركنسون، الديستونيا، والرعاش الأساسي.
تجمع هذه التقنية المتقدمة بين جراحة الأعصاب الدقيقة والتكنولوجيا العصبية الحديثة، لتنظيم النشاط غير الطبيعي في الدماغ واستعادة الحركات بشكل أكثر سلاسة ودقة وتحكم.

ما هو التحفيز العميق للدماغ (DBS)؟

التحفيز العميق للدماغ هو إجراء جراحي طفيف التوغل، يتم من خلاله زرع أقطاب كهربائية دقيقة في مناطق محددة من الدماغ المسؤولة عن التحكم في الحركة.
يتم توصيل هذه الأقطاب بجهاز صغير يسمى المُحفِّز العصبي أو “منظم نبضات الدماغ”، يوضع تحت الجلد في منطقة الصدر. يقوم هذا الجهاز بإرسال نبضات كهربائية دقيقة ومنتظمة تعمل على تعديل الإشارات العصبية غير السليمة التي تسبب الرعشة، التصلب، والحركات غير الطبيعية.

وعلى عكس الجراحة التقليدية التي تُتلف أنسجة الدماغ، فإن DBS لا يزيل ولا يدمّر أي جزء من الدماغ، بل يقوم بتنظيم النشاط العصبي بشكل دقيق، مما يجعله علاجًا قابلًا للتعديل، قابلاً للعكس، ومخصصًا لكل مريض حسب حالته.

الحالات التي يُعالجها التحفيز العميق للدماغ

يُستخدم DBS بشكل رئيسي لعلاج الأمراض العصبية التي لا تستجيب جيدًا للأدوية، ومن أهمها:

  • مرض باركنسون: يقلل من الرعشة، التصلب، وبطء الحركة، مع تحسين استجابة المريض للأدوية.

  • الرعاش الأساسي: يخفف بشكل كبير من الاهتزازات غير الإرادية، خاصة في اليدين والذراعين.

  • الديستونيا: يساعد في السيطرة على تقلصات العضلات اللاإرادية والوضعيات غير الطبيعية للجسم.

  • الاضطراب الوسواسي القهري (OCD): في بعض الحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاج الدوائي، يمكن أن يُستخدم DBS للمساعدة في السيطرة على الأعراض.

كما يواصل الباحثون دراسة فعالية DBS في حالات أخرى مثل الصرع، متلازمة توريت، والاكتئاب، مما يوسع آفاق استخدام هذه التقنية الرائدة.

كيف يتم إجراء العملية؟

عادةً ما يتم علاج DBS على مرحلتين:

  1. زرع الأقطاب الكهربائية: باستخدام تقنيات التصوير المتقدمة مثل الرنين المغناطيسي (MRI) والأشعة المقطعية (CT)، يحدد جراحو الأعصاب بدقة المنطقة المسؤولة عن الاضطرابات الحركية — وغالبًا ما تكون النواة تحت المهاد (STN) أو الكرة الشاحبة الداخلية (GPi) — ثم تُزرع الأقطاب في تلك المناطق بدقة عالية.

  2. زرع المُحفِّز العصبي وبرمجته: يتم وضع الجهاز المُحفِّز تحت جلد الصدر وربطه بالأقطاب عبر أسلاك رفيعة. بعد مرحلة التعافي، يقوم طبيب الأعصاب ببرمجة الجهاز خارجيًا لضبط النبضات الكهربائية بما يتناسب مع أعراض المريض الفردية.

تُعد البرمجة والمتابعة الدورية جزءًا أساسيًا من نجاح العلاج، وتتطلب تعاونًا مستمرًا بين طبيب الأعصاب وجراح الدماغ لضمان أفضل النتائج وتقليل الآثار الجانبية.

فوائد التحفيز العميق للدماغ

  • تقليل ملحوظ في الرعشة والأعراض الحركية.

  • تقليل الحاجة إلى الأدوية، مما يقلل من آثارها الجانبية مثل الحركات اللاإرادية.

  • تحسين الحركة والتوازن والاستقلالية في الحياة اليومية.

  • علاج قابل للتعديل والعكس دون الحاجة إلى جراحة إضافية.

  • تحسين جودة الحياة لمرضى الاضطرابات الحركية المتقدمة.

الخلاصة

يمثل التحفيز العميق للدماغ (DBS) أحد أعظم إنجازات الطب العصبي الحديث، إذ يجمع بين التكنولوجيا والطب لاستعادة الاستقلالية والكرامة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الحركة.
ومع ازدياد الوعي وتوسّع نطاق تطبيق هذه التقنية في المنطقة، يواصل DBS إعادة تعريف حدود الممكن في علاج الأمراض العصبية وتحسين حياة المرضى.

المرشحات
1 نتيجة